منتخب السيدات يطمح لصناعة التاريخ بحصد أول لقب بعد اقترابه في النسخة الماضية

يدخل المنتخب المغربي النسوي غمار نهائيات كأس أمم إفريقيا للسيدات "المغرب 2024"، التي تنطلق اليوم السبت، وهو يحمل آمالًا كبيرة في التتويج بأول لقب قاري في تاريخه، بعد طفرة نوعية شهدها خلال السنوات الأخيرة، انتقل فيها من الحضور المتواضع إلى بلوغ نهائي البطولة، ثم التأهل إلى كأس العالم.
شهدت أولى مشاركات المنتخب المغربي النسوي في كأس أمم إفريقيا خلال نسختي 1998 بنيجيريا و2000 بجنوب إفريقيا حضورًا باهتًا، رغم توفره آنذاك على لاعبات موهوبات أظهرن إمكانيات واعدة. إلا أن ظروف المرحلة، من ضعف البنية التحتية إلى محدودية الاستثمار في كرة القدم النسوية، حالت دون تحقيق نتائج تُذكر، ليغادر الفريق المسابقة من دورها الأول دون أن يترك بصمة واضحة. تلك التجارب المبكرة عكست واقعًا رياضيًا صعبًا كانت تعيشه اللعبة في المغرب، قبل أن تبدأ ملامح التغيير في الظهور لاحقًا.
بعد سنوات من الغياب عن الواجهة القارية، عاد المنتخب المغربي النسوي بقوة إلى الساحة الإفريقية في عام 2022، مستفيدًا من استضافة البطولة على أرضه. لم يقتصر هذا الظهور على مجرد المشاركة، بل تحول إلى لحظة مفصلية في مسار الفريق، إذ بصم على إنجاز تاريخي ببلوغه نهائي المسابقة للمرة الأولى، في مشهد عكس حجم العمل والتطور الذي شهدته كرة القدم النسوية بالمغرب في السنوات الأخيرة.
في نسخة 2022، قدّم المنتخب المغربي النسوي أداءً استثنائيًا منذ دور المجموعات، حيث تصدّر مجموعته بثلاثة انتصارات متتالية، مؤكّدًا طموحاته الكبيرة. وفي ربع النهائي، واصل مسيرته الناجحة بتجاوز منتخب بوتسوانا، قبل أن يصنع المفاجأة الكبرى في نصف النهائي بإقصائه منتخب نيجيريا، أكثر المنتخبات تتويجًا باللقب، في مباراة حبس الأنفاس انتهت بركلات الترجيح. وجاء هذا الإنجاز التاريخي أمام أكثر من 45 ألف مشجع احتشدوا في مدرجات ملعب الرباط، في مشهد جسّد التحول الحقيقي في مكانة كرة القدم النسوية داخل المشهد الرياضي المغربي.
وفي النهائي الحاسم، اصطدم المنتخب المغربي بنظيره الجنوب إفريقي، في مباراة قوية انتهت بخسارة "لبؤات الأطلس" بهدفين مقابل هدف. ورغم الهزيمة، فقد دوّن الفريق أفضل إنجاز قاري في تاريخه باحتلاله المركز الثاني، متوجًا بذلك رحلة استثنائية في البطولة. هذا الأداء المتميز مكّنه من حجز بطاقة العبور إلى نهائيات كأس العالم للسيدات لأول مرة، في محطة مفصلية عززت مكانته كقوة صاعدة في كرة القدم النسوية الإفريقية.
في أول ظهور له بكأس العالم للسيدات، خلال نسخة أستراليا ونيوزيلندا 2023، واصل المنتخب المغربي النسوي كتابة التاريخ، حين نجح في بلوغ دور الـ16، بفضل فوزين مستحقين على كل من كوريا الجنوبية وكولومبيا في مرحلة المجموعات. بهذا الإنجاز، أصبح المغرب أول منتخب عربي وشمال إفريقي يصل إلى هذا الدور في البطولة العالمية. ولم تقتصر المشاركة على النتائج فقط، بل تميزت أيضًا بلحظات رمزية، أبرزها دخول المدافعة نوهيلا بنزينة التاريخ كأول لاعبة تخوض منافسات المونديال مرتدية الحجاب. وعلى المستوى الفني، تألقت القائدة غزلان شباك والهدافة ابتسام جريدي، اللتان لعبتا دورًا محوريًا في قيادة الفريق نحو مشاركة مشرفة عززت مكانة المغرب على الساحة الدولية.
ويخوض المنتخب المغربي النسوي غمار نسخة 2024 من كأس أمم إفريقيا تحت إشراف المدرب الإسباني خورخي فيلدا، الذي تولّى المهمة سنة 2023. يُعد فيلدا من الأسماء اللامعة في عالم كرة القدم النسوية، إذ قاد منتخب بلاده، إسبانيا، إلى التتويج بلقب كأس العالم الأخيرة. ويُراهن المغرب على خبرته الواسعة ونهجه التكتيكي العالي من أجل البناء على ما تحقق سابقًا، والمضي قدمًا نحو تحقيق حلم التتويج باللقب القاري الأول في تاريخ الكرة النسوية الوطنية.
ويعتمد المدرب خورخي فيلدا على نخبة من اللاعبات اللواتي يجمعن بين الخبرة الدولية والموهبة الفنية، ويشكّلن العمود الفقري للمنتخب في النسخة الحالية. من بين أبرز الأسماء الحاضرة: رقية مزين، نسرين الشاد، نهيلة بنزينة، سلمى أماني، القائدة غزلان شباك، إلى جانب الحارسة المتألقة خديجة الرميشي، التي تُعد من الركائز الأساسية في تشكيلة "لبؤات الأطلس". هذه المجموعة المتجانسة تمنح الفريق توازنًا بين الصلابة الدفاعية والفعالية الهجومية، ما يعزز طموحه في المنافسة على اللقب.
يحظى المنتخب المغربي النسوي بدعم قوي من الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، التي استثمرت بشكل ملحوظ في تطوير كرة القدم النسوية عبر تعزيز البنية التحتية، وتوفير برامج تدريبية متقدمة، وتنظيم منافسات محلية منتظمة. ومن المتوقع أن تشهد مباريات كأس أمم إفريقيا القادمة إقبالًا جماهيريًا واسعًا، يعكس الحماس الكبير في الشارع الرياضي المغربي، الذي يراهن على أن تواصل "لبؤات الأطلس" مسيرتها الصاعدة وتصل أخيرًا إلى منصة التتويج بعد الإنجاز التاريخي بالوصافة.
لم تتطلب رحلة المنتخب المغربي النسوي سوى ثلاث مشاركات فقط ليُصبح اسمًا لامعًا وقوة صاعدة على الساحة القارية. من سنوات الإقصاء المبكر في التسعينيات، مرورًا بلحظة التألق والوصافة التاريخية في 2022، ثم الإنجاز العالمي ببلوغ الدور الثاني في مونديال 2023، يصل الفريق اليوم إلى مفترق الحلم الكبير: اقتناص اللقب الإفريقي الأول في تاريخ الكرة النسوية المغربية. الآن، تتجه الأنظار نحو مدينة الرباط، حيث يستهل المنتخب فصلاً جديدًا من الطموح والتحديات، ليكتب فصلاً جديدًا في تاريخ الرياضة الوطنية.
وسيكون الانطلاقة يوم السبت مع مباراة الافتتاح التي تجمع "لبؤات الأطلس" بنظيراتهن من منتخب زامبيا، على أرضية الملعب الأولمبي بالرباط، في تمام الساعة التاسعة مساءً بتوقيت المغرب، حيث تنطلق رحلة الدفاع عن الطموحات وتحقيق الحلم القاري لأول مرة في تاريخ الكرة النسوية المغربية.
Powered by Froala Editor